هذه ثلاث قصص من أطرف القصص وأروعها لبعض نساء نجد ، لها علاقة
وإتصال خاص بحياة جلالة الملك الراحل عبدا لعزيز بن سعود رحمه الله وغفر له .
انتقيتها لكم من كتاب الباحثة السعودية د. دلال بنت مخلد الحربي ( نساء شهيرات من نجد )
وأتمنى أن تستمتعوا بها .....
القصة الأولى :
سارة بنت أحمد بن محمد السد يري
ولدت سارة في الإحساء لما كان والدها أميراً عليها ، وكانت من أكمل النساء عقلاً إضافةً إلى
إبداعها الشعري ، وقد وصفت بالجمال وطول القامة .
تزوجت من الإمام عبدا لرحمن بن فيصل رحمه الله " فتمنت على الله أن يرزقها بالولد فيساوي
الدنيا وما فيها " وقد استجاب الله لدعائها فأنجبت الإمام والملك الراحل عبدا لعزيز بن سعود .
قال الباحث دي غوري جيرالد : كانت امرأة طويلة وأن منها جاءت النوعية المميزة لطول القامة
بين السعوديين ،وقال باحث آخر : كانت والدة عبدا لعزيز امرأة فارعة الطول ذات بنيه كبيرة
كغيرها من أفراد عائلة السد يري ويقال إن عبدا لعزيز ورث قامته المديدة وبنيته الكبيرة عن أمه.
وتبدو لنا فضائل خلق سارة في المواقف التي عصفت بأسرتها بعد موقعة المليداء عام 1308هـ
فقاسمت زوجها الإمام عبدا لرحمن الاغتراب عن الوطن غير آبهة بزينة الأميرات فكفلت زوجها
في ترحاله، وقضت فترة في الصحراء مع أسرتها في منازل آل مره والعجمان في البادية ثم
عاشت معه في الكويت في منزل صغير يضم ثلاث غرف فقط .
وعندما عزم الإمام عبد العزيز على استعادة ملك آباءه رفض والده بعدما أخفق في المرة الأولى
فوجد الإمام في والدته خير معين وسند له ، وتجلى ذلك منها في موقف حمل كل معاني التضحية
والإقدام ، إذ طلبت من والده أن يسمح له بتكرار المحاولة لما لمست منه الإصرار والعزيمة على
ذلك وهي بين عاملين : حب الابن والإشفاق عليه من تلك المغامرة ، أو النزول على طلبه
فأصرت على قلبها حتى أقنعت والده بطلبه وبعد أن أكمل الإمام عبدا لعزيز استعداده لينطلق من
الكويت ، ذهب إلى والدته ليودعها وهنا جاش في صدرها حـنان الأم وتغلب عليها الخوف عليه ،
فبكت بكاءً حارا ، وحـاولت أن تـثنيه عن قصده غير أن أخته نوره شجعته .
فاستمر إلى أن حقق الله له مراده .
كما أن الملك عبد العزيز كان يذكرها ويشيد بما كان لها من فضل عليه في كل مناسبة.
و قد توفيت رحمها الله في الرياض أواخر عام 1327/أوائل 1910م.
القصة الثانية :
الجوهرة بنت فيصل بن تركي آل سعود
تنتمي الجوهرة من جهة أمها إلى أل معمر، فوالدتها سارة بنت عبدا لعزيز بن حمد بن ناصر بن
معمر أحد أبرز علماء نجد ، فكانت ذا إلمام ومعرفه بالتاريخ والسير وحافظة لكتاب الله ومهتمة
بجمع الكتب .، وهي بالطبع تكون عمة الملك عبدا لعزيز .
تزوجت من الأمير طلال بن عبدا لله آل رشيد وبعد وفاته تزوجت من سعود بن جلوي بن تركي
وقد شهدت الجوهرة ذلك النزاع الذي كان بين أخوتها بعد وفاة والدهم ، وقد آلمها الضعف الذي
حل ببيت آل سعود فكان أن عملت على تنميه روح العزيمة ودفع الملك عبدا لعزيز إلى استعادة
ملك آبائه وأجداده .
وفي ذلك يقول الملك عبدا لعزيز : " لقد كانت تحبني فيما أعتقد أكثر مما تحب أولادها ، كانت
عندما تنفرد بي تضعني في حجرها وتنبئني بالأمور العضيمه التي كان علي أن أحققها إذا ما
كبرت ،كانت تقول لي : عليك أن تحيي عظمة بيت بن سعود ".
وكانت الجوهرة تؤكد على عبدا لعزيز وترسخ في ذاته ركائز وأسس الحكم كما سار عليه
أسلافه من آل سعود فكانت تردد على مسمعه : "لا تكون عظمة بيت بن سعود غاية مساعيك ،
إن عليك أن تجاهد لعظمة الإسلام ، إن قومك في أمس الحاجة إلى قائد يرشدهم إلى طريق النبي
الكريم ، وأنك أنت ستكون ذلك القائد " .
وقد كان لهذه التوجيهات أثر عميق في نفس الملك عبدا لعزيز ، يؤكد ذلك أن الملك عبدا لعزيز
كان يقول : " لقد بقيت كلماتها هذه ولا تزال في قلبي دائماً "
وفي فترة بقائها داخل الرياض كانت تعيش بالقرب منها ابنة أخيها سارة بنت الإمام عبدا لله ابن
فيصل حيث تولت رعايتها وتربيتها ، ويبدو أن الجوهرة شعرت بشيء من الخطر على ابنة
أخيها من رجال بن الرشيد ، فانتهزت قدوم الملك عبد العزيز إلى الرياض في عام 1318هـ
بهدف استعادتها ، تلك المحاولة التي لم يكتب لها النجاح كما هو معروف تاريخياً ، فأشارت عليه
أن يعقد على سارة ويحملها معه إلى الكويت واستجاب الملك عبدا لعزيز لطلبها .
وقد أدت الجوهرة دورين مهمين في تلك المرحلة ، أحدهما على المستوى الشخصي لحياة الملك
عبدا لعزيز ، والآخر على المستوى العام :
فالأول : أن الملك عبدا لعزيز كان يعتمد عليها في تثقيف وتعليم النساء في قصره .
والثاني : أن الملك عبدا لعزيز كان يستشيرها ويصغي لنصحها في بعض شؤونه .
وأمام هذين الدورين ومكانتها في نفس الملك عبد العزيز فإننا لا نعجب من حرصه على زيارتها
يومياً ، وكانت تلك سنة حسنه للملك عبد العزيز في صلة الرحم لا يتركها مع كثرة أشغاله ووفرة
أعماله ، فكان يقرن زيارتها بزيارة والده رحمه الله .
ومن إسهامات الجوهرة الخيرية أنه كان لها وقف لزينه العروس تمثل في تقديم ثوب وبعض
القطع الذهبية للمقبلات على الزواج ، ثم قصرت الوقف على أدوات الزينة من حناء وطيب
وديرم وغيرها .
وإضافة إلى ذلك كان للجوهرة مسقاة ماء بجوار سوق دخنه ، كانت تعد من أشهر مساقي الماء
في الرياض .
وقد توفيت رحمها الله في عام 1350 هـ / 1931م .
بعد أن قرأت هاتين القصتين من حياة الملك عبد العزيز ، أمنت بالحكمة القائلة :
" وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمه "
القصة الثالثة :
الجوهرة بنت ناصر بنت فيصل آل سعود
تنتمي الجوهرة إلى آل ثنيان بن سعود ، تزوجت من مساعد بن جلوي بن الإمام تركي آل سعود
فأنجبت له عبد العزيز بن مساعد عام 1302هـ / 1884م .
وعانت الجوهرة معاناة شديدة مثل غيرها من آل سعود في ذلك الحين في فترة ضعف الدولة
السعودية الثانية
واشتدت وطأة المعاناة على نفسها عندما خرج ابنها عبدا لعزيز مع والده وأسرة الإمام
عبدا لرحمن بن فيصل إلى الكويت في حين ضلت هي في الرياض .
وظلت الجوهرة بصفتها أم تحن إلى ولدها ، يدل على ذلك إرسالها لفافة فيها هديه لابنها
عبدا لعزيز مع سعد بن بخيت ، الذي لحق بالملك عبدا لعزيز مع آخرين من أهل العارض بعد
انسحابه من الرياض في أعقاب موقعة الصريف في عام 1318 هـ / 1901م .
وكانت اللفافة عبارة عن ثوبين أبيضين ، وغترة وشماغ ونعلين ، وجميعها من صناعة الزبير!
يالبساطة ذلك الزمن إذا كانت هذه هي هدايا الملوك لأبنائها .
و في مقابل ذلك الحنين من الأم ( الجوهرة ) كان الابن ( عبدا لعزيز ) يبادلها الشعور نفسه ، إذ
يروي هو نفسه أنه أثناء استعادة الرياض عام 1319هـ / 1902م أنهم دخلوا كمجموعه إلى
الرياض من شارع دخنه فمروا من أمام منزل والدته فنظر من كوة الباب فرأى والدته وكانت
ساهرة تستعد لصوم الستة من شوال ،وفي إحدى يديها مصلاها ، وفي الأخرى سراجها ، وشعر
بأن قلبه ينخلع من فرط شوقه إليها ، غير أن خطورة ما هم مقدمين عليه ، جعله يكتفي بأن
يرمي إليها بنعليه الذين أرسلتهما من ضمن هديتها مع سعد بن بخيت لتعلم أنه وصل إلى
الرياض ، ورغم صعوبة الموقف عندما كان الملك عبدا لعزيز ورجاله يترقبون الصباح لتنفيذ
خطتهم
وظل عبد العزيز بن مساعد يدعو الله ألا يميته حتى يرى والدته ويطلب رضاها ويقبل يديها ،
وكانت الجوهرة قد رأت نعلي ولدها في الصباح فعرفتهما
وحين سمعت إطلاق النار عرفت أنه حضر مع الملك عبدا لعزيز وصحبه ، فصارت طوال
الوقت تدعو الله من أجلهم ، وعندما فرغ عبدا لعزيز بن مساعد من الغداء الذي كان قد أعده أحد
رجالات الرياض للملك عبدا لعزيز وصحبه ، وتوجه على الفور إلى والدته معانقا إياها ، باكياً
وهي على درجة التأثر نفسها من الفرح والسعادة .
ودمتم بخير ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،